تعالى القيام بها على عباده المؤمنين، وأناط النجاة بها، كما في الحديث الذي فيه أن رجلًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الإسلام فذكر له ما افترض عليه وكان في كل مرة يقول له: هل على غيرها؟
فيقول له النبي:(لا، إلا أن تطوع)، فأدبر الرجل؛ وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا، وأنقص، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أفلح إن صدق). (١)
فدل ذلك على أن أصل القرب، وهو حقيقة الولاء؛ ينال بالقيام بما افترضه المولى تعالى، أما تمامه وكماله؛ فمتعلق بزيادة التقرب بالنوافل والطاعات.
وهنا يأتي الحديث عن أثر الحسنات، الذي به يدرك مراد المصطفى بإذن الله، فإن للطاعة بركة وثمرة تتأتى للعبد من جهتين، الأولى: أنها تفتح له باب الزيادة والاسترسال مع مراضى الرب تعالى، وقد قال العلماء: إن دليل قبول العمل الصالح إتباعه بمثله، فالحسنة تجر الحسنة، وهكذا. . . حتى يصير العبد منهمكًا في مراضى الرب تعالى؛ فيتحقق مقتضى الولاية من تمام الموافقة في المرادات الشرعية؛ فلا يمشى ولا يسمع ولا يبصر إلا فيما هو مراد لله تعالى.
ومن جهة أخرى فإن الطاعة محبوبة لله تعالى؛ فإذا استرسل العبد في التقرب إلى المحبوب بما يحبه، واستأثر مراضيه عند غلبة الهوى؛ جازاه المولى تعالى بمحبته له، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيًا مرصوص، وإذا نال العبد محبة الله تعالى حفظه واصطنعه لنفسه، فما يزال سبحانه في كلاءته لعبده، وحفظه له من أنواع المعاصي والذنوب، حتى يصح وصفه بأنه لا يسمع إلا بالله، ولا يبصر إلا به، ولا يمشي إلا به.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في معنى الحديث: "والمراد به حصر أسباب محبته في أمرين: أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل.
وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل؛ حتى يصير محبوبًا لله؛ فإذا صار محبوبًا
(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان - باب الزكاة من الإسلام، رقم الحديث: ٤٦.