للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن المحب مشتاق لرؤية محبوبه لا يزال يمنى نفسه بها ويعمل لأجلها، لذا كان من عذاب الكافرين أن الله لا ينظر إليهم يوم القيامة وأنهم يحجبون عن رؤيته، فلا يكلمهم ولا يزكيهم، وكان من أعظم نعيم أهل الجنة النظر إلى وجهه الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.

وإذا تم بيان مكانة المحبة في تحقيق العبودية، وجب أن يبين ما يجب أن يعبر عنها من الألفاظ حتى تبقى هذه الحقيقة الإيمانية في صفاء بعيدًا عن درن الضلال والزيغ الذي يمليه الهوى، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "ولما كانت المحبة جنسًا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف، كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى: ما يختص به ويليق به كالعبادة والإنابة والإخبات ولهذا لا يذكر فيها لفظ العشق والغرام والصبابة والشغف والهوى، وقد يذكر المحبة كقوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤].

وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.

وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] (١).

ومن هنا ظهر ضلال من سمى محبة الله هوى وعشقًا كابن الفارض وغيره ممن تاهوا بإرادة هذه المعانى ولم يصلوا، وقد سبقت الإشارة إلى أنواع الإلحاد التي ارتادها ابن الفارض بهذا الحب المزعوم الذي سولت له نفسه أن يجعله مسوغًا له فيما ادعاه من أوهام الاتحاد، ومع موقف الصاوي التأويلى لهذا الإلحاد الذي عجت به أشعاره إلا أن الحق أحق أن يتبع، وعليه فما ذكره في البيت من أمر للناسكين بالتعلق بأذيال الهوى وخلع الحياء في ذلك محض ضلال وتيه وبعد عن مقتضيات المحبة الشرعية، التي لا سبيل إليها إلا بالتزام آداب الشرع ظاهرًا وباطنًا، ولو علم هذا المحجوب: ابن الفارض، وأمثاله، أن قرة عين المحب في رضا محبوبه عنه لما


(١) إغاثة اللهفان: (٢/ ١٣٣).

<<  <   >  >>