سبق بيانه في الحديث عن مقام البقاء، فبن البقاء الذي لا ينافى الفناء هو ما يكون العبد فيه بحيث لا تحجب مشاهدة أفعاله تعالى عن إدراك الفرق بين ما يحبه تعالى وما يسخطه يصل بصاحبه حقيقة إلى مقام الطمأنينة والرضا، أما إذا أراد به المعنى الذي عليه عامة الصوفية والذي يظهر أنه المقصود من كلامه وهو مشاهدة الأفعال في الآثار حتى لا يرى معصية ولا يشهد كفرًا أو ضلالًا، فمعنى باطل ترده نصوص الكتاب والسنة وحقيقته غياب عن مقتضى العبودية الذي يلزم العبد باتباع المحاب واجتناب المساخط، وقد سبق تفصيل ذلك.
- وبناء على هذا الذي تقرر عنده في معنى المطمئنة فقد أوَّل دخول الجنة بتحقق وحدة الشهود، متبعًا بذلك مسلك الاستبطان في الاستدلال للأحكام الصوفية، وبطلان هذا الذي ذهب إليه أبين من أن يستدل له، ويكفى في رده أن القرآن أنزل بلغة العرب وليس هذا مما يراد بلفظ الجنة.
ومع أن الصاوي أشعرى المعتقد ولا يقول بالمعاد الروحى قطعًا، إلا أنه في تحريره لهذه الترقيات بوجهة نظر صوفية، كشف عن تأثر التصوف في مراحله الأخيرة بعقائد الفلاسفة في إثبات المعاد الروحانى دون الجسمانى، إذ غاية النعيم - عندهم - هو معرفة الروحانيات والتلذذ بها.
* * *
ثالثًا: لقد تابع الصاوي أسلافه المتصوفة في مفهوم تجلى الأسماء الحسنى على ذاكرها والمتعبد باستشعار معانيها، ولا يخفى ما في هذا من غلو مقيت يخلط الحقائق ويطوى المرادات الشرعية على خلاف ما يقتضيه إثبات آثار الأسماء والصفات لله تبارك وتعالى.
فإذا كان الهدف الأسمى من العبادة السنية تحقيق الذل والافتقار إلى الله تعالى بالقيام بكل مأمور وترك كل محظور والازدياد من النوافل والقربات، فإن هدف العبادة الصوفية الترقى إلى مراقى الربوبية، وأنى لهم؟ بل هي مهاوى الإلحاد والمروق من الدين بالكلية، وبيان ذلك ما يلى: