للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته يقوم على نفى التمثيل والتشبيه والتحريف والتعطيل، وكلامهم في هذا التجلى المزعوم ادعاء لمشاركة العبد ربه في مقتضى الصفة، وهذا باطل شرعًا وعقلًا، فإنه متى قامت الصفة بالموصوف لزمها أمور أربعة: أمران لفظيان، وأمران معنويان:

فاللفظيان: ثبوتى، وسلبى، فالثبوتى: أن يشتق للموصوف منها اسم.

والسلبى: أن يمتنع الاشتقاق لغيره.

والمعنويان: ثبوتى، وسلبى، فالثبوتى: أن يعود حكمها إلى الموصوف، ويخبر بها عنه.

والسلبى: أن لا يعود حكمها إلى غيره، ولا يكون خبرًا عنه" (١).

وهذه قاعدة تتوجه إلى جميع من اتصف بصفة فعلم قيامه بها، وحقيقة هذا الحكم امتناع اتحاد الأفراد في الخارج لاشتراكها في أمر كلى، مثال ذلك صفة السمع فإن السمع إذا أفرد صار معنى كلى يشترك فيه كل من اتصف بهذه الصفة وليس يعني ذلك اتحاد المحل القابل للسمع فإن كل من له سمع في الخارج يختلف عن الآخر فسمع الإنسان ليس كسمع الحيوان وهكذا.

وهذه هي القاعدة التي قال عنها الإمام ابن القيم - رحمه الله -: أنها أصل أهل السنة الذي ردوا به على المعتزلة والجهمية وهو من أصح الأصول طردًا وعكسًا (٢).

فإذا كانت هذه القاعدة يصح طردها في كل من اتصف بصفة أن يمتنع اتصاف غيره بنفس الصفة التي اتصف بها، فإنه يتعين مزيد بيان بالنسبة لصفات الخالق في مقابل صفات المخلوق، فكما أنه تعالى له ذات ليست؛ كالذوات فكذلك له صفات ليست كالصفات، "فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات".


(١) بدائع الفوائد، لابن القيم: (١/ ١٧٤).
(٢) المرجع السابق.

<<  <   >  >>