للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الأصل مستفاد من قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

ومثال ذلك اتصافه تعالى بالسمع والعلم، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، معنى ذلك أنه "هو وحده الذي له كمال قوة السمع وإحاطة العلم، لا كما يظن به أعداؤه الجاهلون: أنه لا يسمع إن أخفوا وأنه لا يعلم كثيرًا مما يعملون" (١).

- وبهذا يتحقق إيمان العبد بصفاته تعالى؛ فكلما ازداد العبد استشعارًا وعلمًا للفرق الذي بينه وبين خالقه؛ كلما تحققت عبوديته له وتأكدت، إذ العبودية التامة هي غاية الحب مع غاية الذل والافتقار، لذلك قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، إذًا فمقتضى العلم بمعرفة أسمائه وصفاته تعالى هو الالتجاء بها إليه تعالى بالدعاء الذي هو حقيقة العبادة.

وبيان ذلك أن الدعاء - كما سبق ذكره - ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، ودعاء العبادة هو العمل بمقتضى تعظيم أسمائه فكل عمل ظاهر أو باطن صدر من العبد نتيجة لإيمانه بأسمائه وصفاته كالعلم والسمع والبصر والرحمة فهو من الدعاء بالأسماء، وكل سؤال توجه به العبد لربه سائلًا إياه بأسمائه فهو من الدعاء بها، وهكذا.

وبناء على ما تقدم فإن ما تقرر عند الصاوي متبعًا بذلك طريقة الصوفية من آثار بعض ما ذكر من الأسماء مردود عليه، فقد ذكر أن ترديد الضمير (هو) يكون للنفس الملهمة، وهذا مما لا أساس له، أولًا؛ لبدعية هذا الذكر، فذكر المولى تعالى المعتبر شرعًا لا بد أن يكون مقرونًا بتعظيم المولى وتبجيله، كقول: لا إله إلا الله، الحمد لله، سبحان الله، وقد ورد في أفضل ما يذكر به المولى تعالى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث يقول: (أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله).

وحقيقة هذا؛ أن الكلام لا يضاف إليه مدحًا أو ذمًا حتى يظهر به المراد، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الذكر بالاسم المفرد مظهرًا أو مضمرًا بدعة في


(١) إغاثة اللهفان، لابن القيم: (١/ ٩٧).

<<  <   >  >>