للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون بالإيثار والاختيار فيفترقان، وقوم قالوا: يجوز ظهور الكرامة على يد الولى مع الاختيار، ولكن لا يجوز ظهورها مع دعوى الولاية، حتى لو ادعى الولاية وأراد إثباتها بالكرامة لم يخرق المعجزة فظهر مع دعوى النبوة.

والفرق الصحيح أن الكرامة لا تقع موافقًا لدعوى الولى، والمعجزة شرطها أن تكون موافقة لدعوى مدع النبوة، فيظهر به الفرق" (١).

وهذا إنما يكون على التسليم بإمكان الالتباس، وذلك لأن الكرامة في الحقيقة تعد نوع امتداد للمعجزة، التي تدل على صدق النبي، فلا يحصل منها معارضة تقتضى التباسها بالمعجز، وذلك لأنها لا تكون إلا لمن قامت به شروط الولاية من الاستقامة على متابعة النبي وإلا لم تقع، فهى من هذه الحيثية آية على صدق النبي ومعجزة له، فأى اختلال في صدق متابعة الولى؛ يعد نقضًا لحقيقة الكرامة.

ثم إن ما يحصل للأولياء من خوارق العادات، لا يماثل المعجزة من حيث القدر، وهذا ما نبه إليه شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وأما كرامات الأولياء فهى أيضًا من آيات الأنبياء، فإنها إنما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة، فهى دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة، وأيضًا فإن كرامات الأولياء معتادة من الصالحين، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك، فانشقاق القمو والإتيان بالقرآن، وانقلاب العصا حية، وخروج الدابة من صخرة، لم يكن مثله للأولياء، وكذلك خلق الطير من الطين، ولكن آياته صغار وكبار، كما قال الله تعالى: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات: ٢٠]، فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة، وقال عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: ١٨]، فالآيات الكبرى مختصة بهم، وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين، مثل تكثير الطعام" (٢).

وعليه فإن ما يقع لبعض الناس، مما يظن فيه خرق للعادة مع عدم الاستقامة


(١) قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر: (١/ ٩٩).
(٢) النبوات: ٣٢٣.

<<  <   >  >>