للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك، قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: ٢٢١، ٢٢٢].

فامتنع أن تكون دليلًا عليه، وأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وكراماتهم ثمرة إيمانهم وتقواهم، لا ثمرة الشرك والبدعة والفسق.

والمقصود هنا أن من أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان، كإخبار عن غائب، أو أمر يتضمن قضاء حاجة ونحو ذلك، فإذا شاهد أحدهم القبر انشق وخرج منه شيخ بهى عانقه أو كلمه؛ ظن أن ذلك هو النبي المقبور أو الشيخ المقبور، والقبر لم ينشق، وإنما الشيطان مثل له ذلك (١).

ولما كانت هذه الخوارق بمثابة الثواب المعجل للعبد الصالح، فمن الممكن أن ألَّا يتم تحققها في الدنيا وأن تدخر له في آخرته، وكان هذا هو معتقد عباد الله الصالحين، فلم يكن همهم حصول هذه الخوارق من المكاشفات ونحوها، بل كان هدفهم الأسمى هو الثبات على مقامات الإيمان والعمل الصالح، وإذا وقع لهم منها شيء كانوا على وجل وخوف فلا يطمئنون به؛ لخوفهم من الاستدراج وتعجيل الطيبات.

وعلى العكس من هذا حال أهل البدع والمنكرات، فهمهم الأكبر من العبادة والمجاهدة هو حصول مثل هذه الخوارق، أو ما يظن بأنه خارق من أحوال الشياطين، فإذا حصل لهم منها شيء تشدقوا بذكرها، واحتالوا على الناس بألوان الحيل؛ حتى يتم لهم التوجه بالهمم، فيستغاث بهم ويتقرب لهم من دون الله، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وغاية من يعبد الله يطلب خوارق العادات يكون له نصيب من هذا، ولهذا كان منهم من يرى طائرًا، ومنهم يرى ماشيًا، ومنهم وفيهم جهال ضلال.

والحق المبين أن كمال الإنسان أن يعبد الله علمًا وعملًا، كما أمره ربه" (٢).


(١) مجموع الفتاوى: (١/ ١٧٦).
(٢) مجموع الفتاوى: (٢/ ٩٦).

<<  <   >  >>