للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبهات حول الكرامة:

من كل ما تقدم تبين أن اعتقاد السلف في ثبوت الكرامة يقوم على أمرين:

١ - أن الكرامة تشمل كل ما يمن به الرب تعالى على عبده المؤمن المتبع شريعة نبيه، فهى ثمرة الإيمان والتقوى، يتقدمها الثبات على الإيمان، وانشراح الصدر لذلك، ويدخل فيها ما يكون خارقًا للعادة.

٢ - أن الكرامة التي هي خرق للعادات ليست دليلًا على الولاية، لأنه قد تتحقق مقومات الولاية في العبد دون أن يحصل له شيء من هذه الخوارق، وهذا كثير في القرون المفضلة.

ومع موافقة الصاوي اعتقاد السلف في هذين الأمرين، إلا أن مخالفته ظاهرة في تفاصيل اعتقاد خرق العادات، وما ينبنى عليها من أحكام.

وبيان هذا: أنه قد ثبت التصديق بإمكان حصول الانكشاف ومعرفة الغيب عن طريق الإلهام أو الرؤيا الصالحة، وأنه مع اكتمال شروط الولاية فيمن حصل له ذلك فإنها تكون له من قبيل الكرامة، ولكن لا يصح الاستدلال بها واعتمادها في الأحكام الشرعية.

فإذا كانت (الرؤيا الحسنة، من الرجل الصالح، جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) (١) كما ورد في الحديث فقد بين حديث آخر أن هذا إنما يختص بمهمة التبشير وهى واحدة من وظائف النبوة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات). قالوا: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة) (٢).

ولهذا دلائل كثيرة مردها إلى اكتمال الدين وتمامه بشرعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ فليس لأحد أن يتقدمه بزيادة أو نقصان، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التعبير - باب رؤيا الصالحين، رقم الحديث: ٦٥٨٢.
(٢) أخرجه البخاري أيضًا في كتاب التعبير - باب رؤيا الصالحين، رقم الحديث: ٦٥٨٩.

<<  <   >  >>