للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عز من قائل في النهى عن التقدمة المخلة بتمام الالتزام وشكر المولى على تمام المنة باكتمال النعمة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

هذا والأحاديث في النهي عن الابتداع، ووجوب التمسك بالاتباع كثيرة، وقد دلت على أن كل ما فيه مخالفة للشرعة المطهرة فهو مردود على صاحبه مهما ادعى من حصول الكشف والعرفان، فلا يسلم له؛ لامتناع العصمة والدلالة القطعية بعدم الحاجة إلى مثل هذه الأوهام.

يقول شيخ الإسلام في ذلك: فكل من اتبع ما يرد عليه من الخطاب، أو ما يراه من الأنوار والأشخاص الغيبية، ولا يعتبر ذلك بالكتاب والسنة، فإنما يتبع ظنًا لا يغنى من الحق شيئًا.

فليس من المحدثين الملهمين أفضل من عمر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتى هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) (١)، وقد وافق عمر ربه في عدة أشياء (٢)، ومع هذا فكان عليه أن يعتصم بما جاء به الرسول، ولا يقبل ما يرد عليه حتى يعرضه على الرسول، ولا يتقدم بين يدى الله ورسوله، بل يجعل ما ورد عليه تبعًا، وكان إذا تبين له من ذلك أشياء خلاف ما وقع له فيرجع إلى السنة، وكان أبو بكر يبين له أشياء خفيت عليه فيرجع إلى بيان الصديق وإرشاده وتعليمه، كما جرى يوم الحديبية، ويوم مات الرسول (٣)، ويوم ناظره من مانع الزكاة (٤) وغير ذلك، وكانت المرأة ترد عليه ما يقوله


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء - باب حديث الغار، رقم الحديث: ٣٤٦٩.
(٢) تقدم بيانها.
(٣) أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله، وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسى إذ ذاك، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدى رجالًا وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن الرسول فقبله، قال: بأبى أنت وأمى طبت حيًا وميتًا، والذي نفسى بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، قال: ألا من كان يعبد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: (إنك ميت وإنهم ميتون): كتاب فضائل الصحابة - باب قول النبي: (لو كنت متخذًا خليلًا)، رقم الحديث: ٣٦٦٧ - ٣٦٦٨. وفي رواية أن عمر - رضي الله عنه - قال: (والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت، حتى ما تقلنى رجلاى، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات): كتاب المغازى - باب مرض النبي ووفاته، رقم الحديث: ٤٤٥٤.
(٤) أخرج الإمام أحمد في مسند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: "لما توفي رسول الله وكان أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى) قال أبو بكر - رضي الله عنه -: والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعونى عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها، قال عمر - رضي الله عنه -: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر - رضي الله عنه - للقتال فعرفت أنه الحق)، رقم الحديث: ١١٧: قال أحمد شاكر: إسناده صحيح: (١/ ٢١٦).

<<  <   >  >>