وقد فسرها بهذا الصادق المصدوق ففي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مفاتيح الغيب خمس: "إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدرى نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير") (١).
وعليه فإن ما ادعاه الصاوي من أنه لا يمتنع أن ينكشف شيء من العلوم الغيبية للأولياء، بتعليم الله لهم على جهة يتيقن منها حصول مقتضى هذا الكشف، أمر لا حقيقة له، بل هو من الأوهام التي تردها آيات الكتاب وسنة النبي - عليه الصلاة والسلام -، وكم من الآيات تلك التي يأمر بها المولى تعالى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتبرؤ من علم الغيب، قال تعالى:{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[الأنعام: ٥٠].
وهذا الاعتقاد باستقلال الكشوفات والرؤى في معرفة الغيب؛ أدى إلى وقوع الصوفية في الغلو المحرم، الذي قد يكون شركًا أو ذريعة إلى الشرك، ومن هنا ظهر بطلان ما حكاه عن التسترى أنه كان يعرف تلامذته منذ الميثاق، وأنه كان يربيهم وما ذكره عن على - رضي الله عنه - من أنه كان يتذكر ذلك اليوم الذي أخذ عليه الميثاق فيه، إن كل هذه الأخبار مما لا حقيقة لها تستند إليه كونًا ولا شرعًا، فليس من المقدور البشرى تذكر ذلك اليوم ولا معرفة ما كان فيه؛ لأن البشر كانوا في عهد الذر، ولم يكونوا على هذه الهيئة التي صاروا إليها، ثم إن هذا الإشهاد غايته معرفة الله وتوحيده، ولو كان لأحد تذكر هذا اليوم لكان ذلك للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - خير ولد آدم.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير - باب وعنده مفاتح الغيب، رقم الحديث: ٤٦٢٧.