للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس يخفى ما في تخصيص علي - رضي الله عنه - بالعلم من التأثر بأقوال الغلاة فيه، ومما يؤكد عدم ورود ما يخصصه، بعلم عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - ما أخرجه البخاري في صحيحه، فعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: "قلت لعلي - رضي الله عنه -: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة). قلت: وما في الصحيفة؟ قال: (العقل، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر) (١).

- وهذا وقد أثبت للأولياء من خوارق العادات التأثير بالتصرف في الكون، ولا بد للحكم على هذا المقال من وزنه بميزان الشريعة، فنعرف هل لهذا مستند من الكتاب أو السنة؟

لقد دل الحديث القدسي الذي توعد الله فيه من أقدم على إيذاء ولي من الأولياء بالحرب؛ على أن المولى تبارك وتعالى قد يتصرف في هذا الكون موافقة لغرض الولي لنصرته وحاجته، إذًا فمرد هذا التأثير إلى الله تعالى، وقد يكون للعبد فيه نوع تأثير كالدعوة المستجابة (٢) ولكن ليس في هذا ما يقضى بتصرفه في المخلوقات فإن إجابة الدعاء هي محض فضل المولى، كما أنها من التوسل المشروع الذي يتحقق به تمام العبودية.

ومن هنا علم أن ما يدعيه الصوفية في كرامات الأولياء، التي تقضي بأحقية تصرفهم في الكون حتى يكون لأحدهم أن يقول للشيء كن فيكون، ليس بصحيح أبدًا ولو ادعى أنه على غير جهة الاستقلال، بل هو من الضلالات القادحة في جناب التوحيد.

بيان ذلك أن مرد هذه الادعاءات إلى الكتاب والسنة، ولم يرد فيهما ما يسند مثل هذه الأقوال الباطلة، بل دلالتهما في هذه الأمور على النقيض من ذلك، فما زالت


(١) كتاب الجهاد والسير - باب فكاك الأسير، رقم الحديث: ٣٠٤٧.
(٢) انظر: الفتاوى: (١١/ ٣١٤).

<<  <   >  >>