للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآيات الكريمة تبدى وتعيد في وجوب إفراد الله تعالى بأفعاله، ومن ثم إفراده بأفعال العباد من الاستغاثة والاستعانة والدعاء، فكم من الآيات تلك التي تؤكد على أنه ليس لأحد تصرف يملك فيه كشف ضر لحق به، فضلًا عن إمكان دفعه.

وقد أمر المصطفى بإعلان هذه الكلمات التي تدفع كل الأوهام المتعلقة بغير الله تعالى، كلمات تنبض بحقائق العبودية والإقرار التام بكمال ربوبية المولى تبارك وتعالى، ورد الأمر إليه ظاهرًا وباطنا: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨].

ولهذا المبحث علاقة وثيقة بحقيقة التبرك، فالانحراف في فهمه هو أساس الانحراف الحاصل في حقيقة التبرك، فحين وقع غلاة الصوفية في الغلو المنهي عنه، وادعوا للأولياء القدرة على التصرف؛ توجهوا إليهم بالدعاء، واعتقدوا حلول البركة بذواتهم فأشركوهم مع الله أحياء وأمواتًا، ونسبوا لهم ما لا يليق إلا لذات الرب تبارك وتعالى (١).

ومن هنا علم أن الكرامة لا تكون إلا للولى المستقيم على دين نبيه، فلا ينسب حصول ما يقع له من خوارق العادات إلى ذاته، بل هو على يقين من أنها محض قدرة الله تعالى، تفضل بها عليه منًّا وكرمًا، فلا يؤدى به ذلك إلى الاغترار والأمن، بل يخاف دومًا من العاقبة والاستدراج، ولنا في عمر - رضي الله عنه - صاحب الكشوف والموافقات أصدق أسوة، فمع شهادة النبي له بالجنة إلا أنه عند موته كان على خوف ووجل، فعن ابن عمر قال: (كان رأس عمر - رضي الله عنهما - على حجري فقال: ضعه لا أم لك، ثم قال: ويلي ويل أم عمر إن لم يغفر لي ربي) (٢).


(١) لمزيد من التوسع انظر: مبحث التوحيد: ١٨٤.
(٢) مصنف ابن أبي شيبة - كتاب الزهد - باب كلام عمر - رضي الله عنه -، رقم الحديث: ٤٠: (٨/ ١٥٣).

<<  <   >  >>