فإذا ثبت أن متعلق التكليف يجب أن يكون مقدورًا بأحد الوجهين المذكورين، وثبت أن العدم الأصلي يستحيل أن يكون مقدورًا استحال أن يكون العدم الأصلي متعلق التكليف فاستحال أن يكون متعلق النهي هو نفس أن لا يفعل. ويمكن تقرير هذا بوجه آخر من غير تفريع على امتناع تكليف ما لا يطاق.
وهو أن يقال للخصم: إنا وإن اختلفنا في جواز تكليف ما لا يطاق، لكن اتفقنا على أن النهي عن المنهيات الممكنة "ليس" من / (١٨١/أ) قبيل تكليف ما لا يطاق، فلو كان متعلق النهي هو نفس "أن لا يفعل" لزم القول بأن النهي عن النهيات الممكنة من قبيل تكليف ما لا يطاق، لما تقدم من أن العدم الأصلي غير مقدور للمكلف، وهذا إنما يتم على رأي غير الشيخ، أو على رأيه لكن بطريق الإلزام، إذ ليس من الخصوم في هذه المسألة من يقول: إن التكاليف بأسرها تكليف ما لا يطاق.
فإن قلت: على الوجه الأول: إنا نسلم أن ما كان من العدم السابق على قدرة المكلف غير مقدور له لما ذكرت.
لكن لما قلت: إن المقارن منه للقدرة غير مقدور له أيضًا، ولا يلزم من عدم القدرة على السابق عدم القدرة على المقارن.
قلت: المقارن منه للقدرة ليس أمرًا غير الأول، وإنما هو الأول بعينه، لكن غايته أنه حصلت له صفة الاستمرار التي ما كانت حاصلة له من قبل بسبب مرور الزمان عليه، وبسببه حصلت له صفة المقارنة.
فهذه الصفة: إما اعتبارية، وإما حقيقية عارضة، وعلى التقديرين يجب