أحدها: أنه لو استحال ورود التعبد به، فإما أن يستحيل لذاته وهو باطل وفاقًا؛ لأن الاستحالة الذاتية منحصرة في الجمع بين المتنافيين وارتفاع النقيضين وما يجري مجراهما وما نحن فيه ليس كذلك.
وأما أن يستحيل لغيره وهو أيضًا باطل؛ لأن الشارع إذا صرح به وقال:
مهما غلب على ظنكم أن الحكم في الصورة الفلانية معلل بكذا، وغلب على ظنكم حصوله مع جميع ما يعتبر في اقتضائه الحكم فاعلموا أني أوجبت عليكم العمل به، فإنه لا يلزم منه محال ولا يقبح ذلك منه، والعلم بذلك ضروري، ولو كان مستحيلًا لما كان كذلك، وهذا الوجه ينفي استحالته مطلقًا سواء كان لذاته أو لغيره، ولأن ما يستحيل لغيره كان ممكنًا في نفسه قطعًا، وحينئذ يكون الخصم معترفًا بإمكانه ويدعي استحالته لأمر آخر، والأصل عدم ذلك الغير ولما بطل القسمان بطل أن يكون مستحيلًا.
وثانيها: أنه لو كان مستحيلًا لعرفت استحالته إما بضرورة العقل وهو باطل قطعًا، أو بنظره، وهو أيضًا باطل؛ لما أنه ليس في أدلة القائلين به ما يعول عليه ولم يوجد على استحالته سوى ما يذكرونه وعدم الوجدان وإن لم يدل على عدم الوجود لكنه لا يدل على الوجود أيضًا فلا يجوز إثبات الاستحالة بمجرد الاحتمال.
وثالثها: أن تجويز العمل بالقياس منشأ لمصلحة لا تنشأ من غيره، وهي الثواب الحاصل للمجتهد على الاجتهاد في هذا النوع؛ فإن فيه إتعاب القلب والدماغ بالفكر الذي لا يوجد في غيره من الاجتهادات ضرورة أن المقدمات فيه أكثر، والاستقراء يحققه وإتعابهما بعلمهما المختص بهما لا يتقاعد في