أهل العصر الأول إذا استدلوا بدليل على حكم أو استنبطوا منه وجه دلالة، أو ذكروا له تأويلاً، ثم أهل العصر الثاني استدلوا عليه بدليل آخر واستنبطوا منه وجه دلالة أخرى، أو ذكروا له تأويلاً آخر، فأما أن لا يكون الثاني منافيًا للأول بوجه ما، أو يكون منافيًا له، إما من كل الوجوه أو من بعضها، وعلى التقديرين فقد اتفقوا على أنه لا يجوز إبطال الأول؛ لأن إبطاله يقتضي إبطال ما أجمعوا عليه على وجه البت وهو باطل؛ ولأنه لو كان باطلاً، وكانوا ذاهلين عن التأويل الجديد - الذي هو الحق - لزم ذهول مجموع أهل العصر الأول عن الحق، وأدلة الإجماع تنفيه.
ومن هذا يعرف أنه لا يقبل الثاني وفاقًا إذا كان منافيًا للأول ولو بوجه ما، وإنما الكلام في قبول الثاني إذا لم يكن منافيًا له بوجه ما.
فذهب الجمهور إلى قبوله محتجين: بأن الناس في كل عصر يستخرجون وجوهًا من الدلالات، والتأويلات التي لم يعرفها أهل العصر الأول، والكل مطبقون على قبولها، فلو كان ذلك باطلاً لزم أن يكون إجماعهم خطأ، وهو باطل.
وذهب الأقلون إلى عدم قبوله محتجين في ذلك بوجوه.
أحدهما: أن التأويل الجديد، والدليل الجديد ليس سبيلاً للمؤمنين فوجب أن لا يجوز اتباعهم وقبوله، لقوله تعالى {ويتبع غير سبيل