القائلون بوجوب الاستفتاء اتفقوا على أنه لا يجوز له الاستفتاء إلا إذا غلب على ظنه أن الذى يستفتى منه من أهل الاجتهاد، ومن أهل الورع، وذلك إنما يكون إذا رآه منتصبًا للفتوى بمشهد الخلق، ويرى اجتماع المسلمين على الاعتقاد فيه، والسؤال منه، واتفقوا على عدم جواز الاستفتاء ممن يغلب على ظنه أنه غير بالغ في العلم إلى درجة الإفتاء وأنه غير متدين؛ وإنما وجب عليه ذلك لأنه بمنزلة نظر المجتهد في الأمارات المغلبة على الظن، ولا طريق للعامي إلى معرفة أهلية المفتي إلا ذلك.
واختلفوا في جواز الاستفتاء من لا يعرفه المستفتي بعلم ولا جهالة، ولا بفسق ولا عدالة.
والمختار عدم جوازه بل ربما يجب القطع بذلك، والخلاف فيه غاية البعد لو صح الخلاف فيه وهذا لأن العلماء لان اختلفوا في قبول قول من جهل حاله من المسلمين في الشهادة والرواية فإنما كان ذلك لوجود ما يقتضى المنع من الفسق ظاهرًا وهو الاسلام الوازع عن الفسق والمعصية ظاهرًا، وليس يوجد في مجهول الحال ما يقتضى حصول العلم ظاهرًا لاسيما العلم الذى يحصل به رتبة الافتاء، فإن ما يجب على المكلف معرفته من فروض الأعيان من أحكام وأركان الدين لا يجب أن يعرف ذلك نظرًا لما ثبت من جواز الاستفتاء فضلاً عن غيره، وكيف لا واحتمال العامية راجح على احتمال العالمية لكون العامية