في العلة الغائية لوضع الألفاظ للمعاني وسبب اختيارها على غيرها من الطرق
اعلم: أن الواحد منا لما خلق بحيث لا يستقل بتحصيل جميع ما لابد له منها احتاج إلى غيره ليعاونه على ذلك وهو إنما يعاونه أن لو عرف حاجته فيحتاج كل واحد من الناس إلى أن يعرف صاحبه ما في ضميره ليمكن التعاون ولابد في ذلك من طريق، وذلك الطريق وإن كان يمكن أن يكون غير الألفاظ، مثل الإيماءات المخصوصة والإشارات المعينة والحروف والرقوم المكتوبة، مثل أن يجعل صورة "الألف" مثلا دليلا على طلب الماء، و "الباء" على طلب الطعام، لكن اختيرت الألفاظ عليها لوجوه:
أحدها: أنه يمكن أن يعرف بها كل ما في الضمير موجودا كان أو معدوما محسوسا كان أو معقولا بخلاف غيرها من الطرق، فإنه لا يمكن أن يعرف بها ما غاب عن الحس.
وثانيها: أن العبارة توجد حين يراد وجودها وتنعدم حين يستغنى عنها وهو بعد وجودها فلا يطلع عليها من لا يراد اطلاعه عليها بخلاف كتابة الحروف والرقوم وبعض أنواع الإشارات فإنه يحتاج في إزالتها بعد وجودها إلى تعاطي فعل آخر ولا يخفى أن ذلك أشق.