استحقاق الثواب عن إتعاب البدن بعلمه المختص به بل ذلك أزيد بدرجات عديدة على ما يشهد به ما ورد في فضيلة الفكر، وإذا كان منشأ للمصلحة لاسيما التي لا تحصل من غيره بالعقل لا نحيله بل نجوزه.
ولقائل أن يقول: علته ليس كل ما فيه إتعاب القلب والدماغ بالفكر فيه الثواب بل في إتعابهما بالفكر في أمر هو جائز وقربة، فعلى هذا لا يمكن إثبات كون الفكر في القياس منشأ للمصلحة إلا إذا ثبت أن القياس جائز وقربه، فإثبات كونه جائزًا وقربه به دور فكان العمل به جائزًا.
بيان الأول: أن من غلب على ظنه أن الحكم في الأصل معلل بكذا، ثم ظن أن ذلك الوصف مع جميع ما يعتبر في اقتضائه الحكم في صورة أخرى فإنه يغلب على ظنه أن حكم تلك الصورة مثل حكم الصورة الأولى، وعنده مقدمة أخرى يقينية بأن مخالفة حكم الله تعالى سبب للعقاب، فيحصل من مجموع هاتين المقدمتين أن ترك العمل بذلك الحكم في تلك الصورة سبب للعقاب فثبت أن العمل بالقياس يفيد دفع الضرر المظنون.
بيان الثاني من وجهين:
أحدهما: أن العقل يقتضي ببديهته أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين، ولا يمكن الخروج عنهما بل لا بد من ترجيح أحدهما وفعله، ويقضي أيضًا ببديهته أن ترجيح ما غلب على الظن خلوه عن المضرة على ما ليس كذلك أولى من عكسه فكيف ترجيح ما غلب على الظن اشتماله على النفع على ما غلب على الظن اشتماله على المضرة ولا معنى لكون العمل بالقياس جائزًا عقلًا سوى هذا.
وثانيهما: أن العقل يقضي بجواز فعل ما ليس فيه أمارة المفسدة والمضرة وإن لم يكن فيه أمارة المصلحة والنفع وإلا لما ثبت الجواز العقلي في شيء من الصور، وإذا قضى بالجواز فيما لا مصلحة فيه ولا نفع فلأن يقضى بالجواز