فإن قلت: ما ذكرتم من التأويل، ينفيه قوله تعالى:{حتى تعلموا ما تقولون} لأن المنتشي يعلم ما يقول.
قلت: الدليل الذي أوجب حمل السكران على المنتشي أوجب صرفه عن ظاهره أيضًا فقوله تعالى: {حتى تعلموا ما تقولون} معناه - إن شاء الله تعالى: حتى يتكامل فهمكم، لأن المنتشي وإن كان أصل عقله باقيًا، لكن قد يتعذر عليه تصحيح مخارج الحروف وتمام الخشوع، وكمال العلم بما يقول: وهذا كما يقال للغضبان: اصبر حتى تعلم ما تقول، أي حتى يسكن غضبك فيكمل فهمك.
وأيضًا فإنه لا يشتغل بالصلاة إلا مثل هذا السكران، فإن الذي يكون كالمغشي عليه يمتنع منه الاشتغال بالصلاة، فيجب تنزيل النهي عليه، وحينئذ يتعين ما ذكرنا من التأويل.
وثانيهما: أن هذا خطاب وارد في ابتداء الإسلام قبل تحريم الخمر، وليس المراد منه المنع من الصلاة في حالة السكر، كما دل عليه ظاهر اللفظ، بل المراد منه: المنع من إفراط الشرب في وقت الصلاة، كما يقال: لا تقرب التهجد وأنت شبعان، معناه: لا تشبع في وقت التهجد فيثقل عليك التهجد.