وهذا لما عرفت من قبل، والمقدور بهذا المعني هو الذي يصح أن يتعلق به التكليف.
وتلخيصه أن الفعل حال حدوثه مقدور عندهم بمعني دوام تعلق القدرة به وقبيله مقدور بمعني ابتداء / (١٨٧/ب) تعلق القدرة به وصحة تعلق الأمر عندهم، إنما يعتمد على الثاني دون الأول.
والأولي في ذلك أن يقال: إنه لو امتنع أن يكون المأمور مأمورًا حال حدوث الفعل لامتنع أن يكون مأمورًا قبيله، لكن لا يمتنع ذلك عند الخصم فلا يمتنع أن يكون مأمورًا حال حدوث الفعل.
بيان الملازمة: أنه لو امتنع أن يكون المأمور مأمورًا حال حدوث الفعل فإنما يمتنع ذلك لكون الفعل فيه واجبًا، والتكليف بالواجب ممتنع، لأنه تحصيل الحاصل، لكن من المعلوم أن ذلك الوجوب ليس وجوبًا ذاتيًا ولا لوصف لازم بل لو كان له شيء من الوجوب، فإنما هو بشرط المحمول أي بشرط وجوده والوجوب بشرط المحمول لو كان مانعًا من التكليف لامتنع التكليف بالفعل قبيل حدوثه أيضًا ضرورة أنه واجب العدم بشرط المحمول أي بشرط تحقق العدم ولما لم يكن ذلك مانعًا لم يكن الوجوب، حالة الحدوث مانعًا أيضًا ضرورة عدم افتراقهما في الوجوب بشرط الحمل.
واحتج أيضًا بوجه آخر: وهو أن القدرة الحادثة لا توجد إلا مع المقدور لأنها عرض وقد عرف أنه لا بقاء للأعراض، فلو وجدت قبل الفعل لعدمت عند وجوده، وحينئذ يلزم القول بوقوع الأثر بلا مؤثر، وبوقوع المؤثر بلا أثر وهو محال، فوجود القدرة قبل الفعل محال، وإذا امتنع تحقق القدرة قبل الفعل امتنع تحقق الأمر أيضًا إذ ذاك، وإلا يلزم الأمر بما لا قدرة للمكلف عليه، وهو عند الخصم ممتنع.