أحدها: الوجوه التي تدل على أن اللغات بأسرها توقيفية، وقد سبق ذكرها، وحينئذ يمتنع أن يكون شيء منها بالقياس. وقد عرفت ضعف تلك الوجوه.
ولئن سلمنا: صحة دلالتها على التوقيف لكن لا نسلم أنها تنافى القياس فيها، وهذا لأنه يجوز أن يكون للكل بوضع الله تعالى: لكن علمنا البعض بالتنصيص والبعض الآخر بالقياس كما في الأحكام الشرعية.
وثانيها: أن اللغات إن كانت اصطلاحية: فيمتنع فيها القياس لما ذكرنا أن ما يجعله العبد عليه فإنه لا يتكرر الحكم بتكرره، وإن صرح بالقياس فكيف فيما لم يوجد ذلك فيه؟
وإن كانت توقيفية: فيحتمل أن يجرى فيها القياس عند حصول أركانه وشرائطه نحو ورود الإذن به، وعدم المانع منه ويحتمل أن لا يجري فيها، إما لعدم العلة، أو وإن كانت موجودة لكنها قاصرة، أو وإن كانت متعدية لكن وجد المانع من التعدية، أو وإن لم تكن كذلك لكن لم يرد الإذن به، وما يحتمل وقوعه على الطرق الكثيرة يكون راجحا على ما يحتمل وقوعه على طريق واحد. فيكون المنع من القياس راجحا على الإذن فيه، فيكون العمل بالقياس/ (٢٨/ب) مرجوحا فيكون غير جائز.