لأنا نقول: هذا الاحتمال وإن كان قائما في النسخ، لكنه مرجوح خلاف ظاهر اللفظ المنسوخ حكمه، فإن لفظه يفيد دوام الحكم، إذ النسخ بعد الفعل لا يرد إلا على ما يفيد تكرار الحكم، إما على سبيل الدوام أو وإن كان إلى غاية معينة، لكنه يكون واردًا قبل تلك الغاية، وإذا كان كذلك كان معنى الرفع فيه أغلب بخلاف اختلافهم في مسألة على قولين، فإنه ليس فيه ما يدل على جواز الأخذ بأحد القولين على تلك الصفة، وإذا كان كذلك فلا يلزم من العمل بمقتضاه حيث ليس يخالف الظاهر بل يؤيده، فإن ظاهر ما يدل على أن الإجماع لا ينسخ ولا يُنسخ به يؤيده العمل بمقتضاه حيث يخالف الظاهر، ولو فرض الإجماع على جواز الأخذ بأحد القولين بصراحة القول، إما على التأييد أو غيره فإننا نمنع حصول الإجماع بعد ذلك على أحد القولين.
وسلك الإمام رحمه الله تعالى في دفع/ (٣٤٨/ ب) هذا النقض مسلك العناية فإنه لما قال: الناسخ طريق شرعي إلى آخره، قال: نعني بالطريق الشرعي القدر المشترك بين القول الصادر من الله ورسوله، والفعل المنقول عنهما، والإجماع على جواز الأخذ بأحد القولين، والإجماع على أحدهما بعد ذلك، يس بطريق شرعي على هذا التفسير.
ولا يخفى عليك ما فيه من الضعف، ودفع بعضهم بوجه آخر وهو أن الحكم نفيًا وإثباتًا إنما يستند إلى الدليل السمعي الموجب لإجماعهم على ذلك الحكم وعلى هذا فيكون إجماعهم دليلًا على وجود الخطاب الذي هو النسخ، لا أن خطابهم نسخ.