وذهب المعتزلة إلى أن من الأحكام ما لا يقبل ذلك، وهو كل ما يكون بذاته أو اللازم ذاته حسنًا أو قبحًا "لا يختلف" باختلاف الزمان، كحسن معرفة الباري وشكر النعم، والعدل، والإنصاف، وقبح الجهل والكذب الضار، وهو سديد على قاعدة التحسين والتقبيح، فإن النسخ على هذه القاعدة إنما يجوز لاحتمال أن يكون فعل الشيء حسنًا في زمان قبيحًا في زمان آخر، وذلك فيما فرضناه من الأحكام محال.
وإبطال هذا بإبطال قاعدته وقد تقدم.
واتفق الكل على أنه يجوز أن تزول التكاليف بأسرها عن المكلف؛ لزوال شرطه كالعقل، وأنه لا يجوز أن ينهى الله تعالى المكلف عن معرفته إلا إذا جوز تكليف ما لا يطاق، لأن نهيه عنها يستدعي معرفة النهي وفي ذلك معرفة الناهي ففي امتثال النهي ضد مقتضاه، وهو تكليف ما لا يطاق.
وإنما اختلفوا: في أنه هل يجوز أن تزول التكاليف بأسرها بطريق النسخ أم لا؟ فذهب الغزالي، والمعتزلة: إلى أن ذلك عير جائز، لأنه إذا نسخ جميع التكاليف عن المكلف، فقد أوجب عليه ضمنًا معرفة الناسخ، والنسخ، والدليل المنصوب عليه، لضرورة تحقق النسخ، وهذا النوع من التكليف ينفي ضرورة وضمنًا لا يمكن نسخه.