وثانيها: أن قوله {نأت بخير منها} ليس فيه دلالة على أن ذلك الخير يجب أن يكون ناسخًا، بل لا يمتنع أن يكون ذلك الخير آية أخرى مغايرة للناسخ يحصل بعد حصول النسخ، وحينئذ "لا يمنع" نسخ حكم الكتاب وتلاوته بالسنة. ثم الذي يدل على أن المراد من ذلك الخير غير الناسخ هو أن قوله:{نأت بخير منها} جزاء للشرط المتقدم وهو قوله: {ما ننسخ} والجزاء متأخر بالرتبة عن الشرط ومترتب عليه والنسخ مترتب على الناسخ ضرورة أن الفعل متأخر بالرتبة عن الفاعل موجبًا كان أة مختارًا، فلو كان المراد من ذلك الخير هو الناسخ، لزم "ترتب" كل واحد منهما على الآخر، وهو دور. لا يعارض هذا: بأنه تعالى جعل إتيانه بالخير جزاء للنسخ والجزاء مما يجب حصوله عند حصول الشرط وغير الناسخ لا يجب حصوله عند حصول النسخ فلا يجوز أن يكون مرادًا منه؛ لأنا نمنع؛ وهذا لأن الله تعالى وعد بإتيانه الخير عند النسخ، وقد دل الدليل على أنه لا يجوز أن يكون المراد منه هو الناسخ، فوجب أن يكون غيره، وحينئذ يجب حصوله نظرًا إلى وعده ونظرًا إلى أنه جعله جزاء له.
وأما قوله: وغير الناسخ لا يجب حصوله عند حصول النسخ.
قلنا: نعم لكن نظرًا إلى نفس النسخ لا إلى غيره، ونحن إنما أوجبنا ذلك لأمر خارجي لا لنفس النسخ، فلا يكون منافيًا لما ذكرنا.
ولا يدفع هذا بأنه قول: لم يقل: به أحد، لأن من لم يجوز نسخ الكتاب بالسنة. قال: المراد من ذلك الخير هو الناسخ، ومن جوز ذلك لم يوجب أن يؤتى بآية أخرى تقام مقام المنسوخ، إما في الحكم أو في التلاوة