فإن قلت: لعل هذه الأحكام كانت ثابتة بقرآن نسخ تلاوته، أو وإن ثبت بالسنة، لكن لعلها نسخت أيضًا بالسنة، لكنها لم تنقل، إما لدلالة القرآن على هذه الأحكام، أو لحصول الإجماع عليها.
قلت: الأصل عدم ذلك لا سيما مع عدم الوجود بعد التفتيش والبحث التام، فإن دواعي الخصوم متوفرة على الطلب والبحث عن ذلك، لدفعهم حجاج خصومهم عليهم ولا مانع لهم عنه، فوجب حصول التفتيش والطلب، والمسألة اجتهادية فيكفينا فيها التمسك بالأصل، وكيف لا وفتح هذا الباب يقتضى أن لا يتعين ناسخ ولا منسوخ، لاحتمال أن يقال: في كل ناسخ يعين أنه ليس بناسخ، بل غيره وفي كل منسوخ يعين ذلك، وفي عدم تعين المنسوخ نظر.
فإن قلت: إنه غير لازم، لأنا إنما نحيل النسخ هنا إلى غيره لقيام الدليل على أنه لا يجوز أن يكون ناسخًا وأنه لا يجوز أن يكون منسوخًا به، وهذا غير حاصل في كل ناسخ ومنسوخ.
قلت: سنجيب عن تلك الأدلة فلا يكون ذلك مانعًا من إحالة النسخ إليه.
سلمنا: ذلك لكن لا يلزم من عدم الدليل على شيء عدم ذلك الشيء فيم يبقى هذا الاحتمال ثمة.