أحدهما: أن كل واحد من هذه الأخبار وإن كان آحادًا محتملاً لكونه صادقًا أو كاذبًا، لكنا نعلم قطعًا أنها بأسرها ليست كاذبة، وأي واحد منها صح بمعنى أنه قطع بصدقه لزم أن يكون الإجماع حجة، لما تقدم أن القدر المشترك بين هذه الأخبار إما نفس كون الإجماع حجة، أو معنى يلزم منه ذلك.
وثانيها: أن هذه الأخبار بتقدير صحتها يثبت بها أصل عظيم مقدم على الكتاب والسنة، وما هذا شأنه: كانت الدواعي متوفرة على البحث عنه بأقصى الوجوه، أما القائلون به فلتصحيحه، وأما المنكرون له فلدفعه وإفساده فلو كان في متنها خلل استحال ذهول هؤلاء الخلق الكثير، والجم الغفير عنه بعد البحث التام والطلب الشديد، نظرًا إلى جري العادة، ولما لم يعلموا فيها خللاً إذ لو علموا ذلك لأظهروه، ولو أظهروه لاشتهر إذ الإظهار والاشتهار في مثل هذا أوجب وأمس من إظهار واشتهار ما يقدح في مسألة فرعية لكنه ليس كذلك علمنا صحتها.
واعترض الإمام عليه: بأنه إن عنى بالخلل في متنها ما يدل على فسادها وعدم جواز العمل بها، فهذا مسلم أنه لم يجدوا ذلك فيها، لكن لا يلزم من عدم ذلك القطع بصدقها، إذ أخبار الآحاد المعمول بها بهذه المثابة مع أنها ليست مقطوعة الصدق.
وإن عنى به ما يقدح في قطعها، فلا نسلم أنهم لم يعلموا ذلك في متنها، فإنهم لما علموها آحادًا فقد علموا خللاً في متنها بالتفسير المذكور، ولا يقال: أن واحدًا منهم لم يقل بذلك بل كلهم أطبقوا على أنها متواترة، لأن ذلك إن ثبت بالتواتر لزم كونها متواترة عندنا ضرورة ثبوت تواتره بالتواتر لكن ادعاء