أحدهما: أن المدينة مهبط الوحي، ودار الهجرة، (و) أكثر أحكام الشرع شرع فيها، وأهلها صحابة الرسول - عليه السلام - شاهدوا التنزيل، وسمعوا التأويل، وأعرف الناس بأحوال الدليل من كونه ناسخًا، أو منسوخًا، أو عامًا، أو خاصًا، وغيرها من الأحوال، والعادة تقضي بأن مثل هؤلاء العلماء الأحقين بالاجتهاد لا يجمعون إلا عن دليل راجح.
وجوابه: أنه إن عنى بالراجح الراجح في ظنهم فمسلم، لكن ذلك لا يدل على كونه راجحًا في نفس الأمر، لاحتمال أن يعتقدوا ما ليس براجح راجحًا، ولا يمكن إثبات امتناعه الخطأ عليهم، لأن ذلك إنما يثبت إن لو كان إجماعهم حجة، فإثبات كون إجماعهم حجة بهذا دور ممتنع.
وإن عنى به الراجح في نفس الأمر فنحن نمنعه، وهذا لأنه إنما يثبت ذلك أن لو أحاط علمهم بجميع الأدلة وأن لا يجوز عليهم الخطأ، وهما ممنوعان، أما الأول، فلأن صحابة الرسول - عليه السلام - بعد وفاته الذي هو وقت إمكان حصول الإجماع تفرقوا في البلاد والأطراف، وكان مع كل منهم من الدليل ما ليس مع الآخر، فلم ينحصر الدليل الراجح في سكان المدينة، فلم يمكن إحاطة علمهم بجميع الأدلة.
وأما الثاني فلما تقدم.
وثانيهما: أن رواية أهل المدينة مقدمة على رواية غيرهم، فكان حكمهم راجحًا على حكم غيرهم، فيكون إجماعهم حجة.