ويمكن أن يجاب عنه على رأيه: بأن النسبة وإن دلت على المغايرة، لكنها حاصلة هنا، فإن التغاير اللفظي حاصل فيما أورده من الإشكال، ومطلق التغاير أعم من التغاير في اللفظ أو في المعنى.
وثالثها: أن قوله: "نفيا أو إثباتا" يقتضي الدور، لأن النفي هو الإخبار عن عدم الشيء، والإثبات هو الإخبار عن وجوده، فتتوقف معرفتها على معرفة الإخبار المتوقف على معرفة الخبر فتعريف الخبر بهما دور.
ويمكن أن يجاب عنه: بأن قوله: "نفيا أو إثباتا"، يقتضي تحقق إضافة أمر إلى أمر أو نفيها لا الإخبار عن ثبوتها، أو نفيها، وحينئذ يندفع الدور المذكور، فإن ذلك إنما يلزم أن توقف معرفة النفي أو الإثبات على معرفة الإخبار، وأما إذا لم تتوقف عليه، وفرق بين معرفة الإخبار عن عدم الشيء، وبين معرفة عدم الشيء والدور إنما يلزم أن لو توقف معرفة النفي مثلا على الأول فأما إذا توقف على الثاني فقط فلا.
والأولى في ذلك أن يقال: الخبر هو الكلام الذي يفيد نسبة معلوم إلى معلوم آخر محكوم عليه نفيا أو إثباتا مع قصد المتكلم الدلالة عليها.
والمراد من الكلام: ما هو المعنى منه عند النحاة دون الأصوليين.
وإنما قلنا:"نسبة معلوم إلى معلوم"، ليتناول النسب التي بين الموجودات والمعدومات.
وإنما وصفنا المعلوم الثاني بآخر، تحقيقا لمعنى النسبة، فإن النسبة لا تعقل إلا بين اثنين.
وإنما قلنا:"محكوم عليه" احترازا عن مثل قم، فإنه وإن أفاد نسبة معلوم إلى معلوم آخر لكنه لم يفد تحققها بالنسبة إلى محكوم آخر.