وأبي حنيفة - رحمهما الله - ووجود بقراط، وسقراط جزما خاليا عن التردد والتشكك، كجزمنا بالمشاهدات، فيكون المنكر له كالمنكر للمشاهدات، فلا تباحث ولا تناظر إلا ما يناظر به منكر المشاهد من الحرق بالنار وما يجري مجراه.
فإن قلت: تدعون جزم الأنفس وطمأنينتها بالمتوترات بالنسبة إلى من يعتقد أن التواتر يفيد العلم اليقيني، أو بالنسبة إلى الكل سواء اعتقد ذلك أو لم يعتقد؟
والأول مسلم، لكنه لا يفيد؛ لأن وجد أن الخصم من نفسه حكم ما يعتقد سببيته له لا يكون حجة على خصمه / (٥٤/أ)، ولأنه معارض بمثله أبدا. والثاني ممنوع؛ وهذا فإنا لا نجد من أنفسنا وعند هذا نقول ليس الاستدلال بوجدان البعض على كونه ضروريا أولى من الاستدلال بعدم وجدان البعض الآخر على عدم كونه ضروريا، بل هذا أولى، لأنه لا يجوز أن يختلف العقلاء في الضروريات بعد الاشتراك في إثباتها.