ولأنا نعلم أنه لا غرض للسلطان في كثير من الأمور المتواترة حتى يحملهم على التحدث عنه كذبا.
وأما أنه لا يجوز أن يكون غرض بعضهم الديني رغبة كان أو رهبة، وغرض البعض الآخر الدنيوي رغبة كان أو رهبة سواء حصل بالتراسل، أو لا بالتراسل فلما تقدم من فساد القسمين البسيطين، فإن ذلك بعينه يدل على فساد المركب منهما؛ إذ الكلام في جماعة عظيمة أبعاضها جماعات عظيمة يمتنع تساوي أصولها في قوة هذا الدواعي.
وإنما قلنا: أنه لا يجوز أن يكونوا أخبروا به مع علمهم بصدقه، ولا مع علمهم بكذبه بل رجما بالغيب فلوجهين:
أحدهما: أن ذلك إنما يتصور فيما لا يكون معلوما بالضرورة، فإن ما يكون معلوما بالضرورة فإن الإخبار عنه لا يتصور إلا عن علم بصدقه أو كذبه، وشرك خبر التواتر أن يكون المخبر عنه محسوسا معلوما بالضرورة فيستحيل الإخبار عنه لا مع العلم بصدقه ولا بكذبه.
وثانيهما / (٥٩/أ): أنا وإن جوزنا صدور الإخبار عن الشيء كذلك من واحد واثنين، لكن نقطع باستحالة من الخلق الكثير عادة فيستحيل وقوعه في خبر التواتر هذا إذا أخبر المخبرون عن مشاهدة، فأما إذا توسط واسطة أو الوسائط بين المشاهدين للمخبر عنه، وبين من لم يشاهدهم فإنه لا يحصل العلم بخبرهم إلا إذا علم أن الوسائط متصفون بالصفات المعتبرة في أهل التواتر، وذلك إنما يعلم طريقين:
أحدهما: أن كل مرتبة من مراتب الوسائط يخبرون أن الذين أخبرونا بهذا الخبر كانوا متصفين بالصفات المعتبرة في أهل التواتر.