واحتج عليه: بأنه لو حصل العلم بخبر أربعة صادقين ولم يحصل بخبر كل أربعة صادقين مع تساوي الأحوال والقائلين والسامعين في جميع الشروط لزم الترجيح من غير مرجح وأنه ممتنع، ولأنه لو جاز ذلك لجاز أن يحصل العلم بأحد الخبرين الصادرين عن جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب دون الآخر، واللازم باطل فالملزوم مثله، ولو حصل العلم بخبر كل أربعة صادقين لوجب أن يستغني القاضي عن التزكية في شهود الزنا؛ لأنه إن حصل له العلم بخبرهم عن الزنا الذي شاهدون وجب أن يستغني عن التزكية ضرورة حصول العلم الضروري بصدقهم، والتزكية إنما تراد لتقوية الظن بالصدق، وإن لم يحصل له ذلك وجب أيضا أن يستغني عن التزكية؛ لأنه حينئذ يقطع بكذبهم والذي قطع بكذبه لا يطلب تزكيته فكان يجب استغناؤه عن التزكية في الحالتين معا، لكن ليس الأمر كذلك بالإجماع؛ إذ الأمة أجمعت على أنه لا يجوز للقاضي أن يقطع بكذبهم ويردهم إن لم يضطر إلى صدقهم، بل يجب عليه أو يجوز عرضهم على المزكين، ثم إقامة الحد على المشهود عليه.
ولا يخفى أن هذه الدلالة لا تتأتى في الخمسة؛ لأنه إن لم يضطر إلى العلم بصدقهم قطع بعدم صدقهم، ولا يلزم من القطع بعدم صدقهم عدم صدق الأربعة منهم؛ لجواز أن يكون الأربعة منهم شاهدوا الزنا دون الخامس فجاز أن يطلب تزكيتهم لبقاء النصاب.
وعند هذا نقول للقاضي: "إن عنيت بقولك: أتوقف في الخمسة، التوقف في حصول العلم بقولهم وعدم حصوله، ولا يقطع بواحد منها فهذا صحيح لكن لا اختصاص لهذا التوقف في الخمسة، بل يتأتى في الألف والألفين؛ إذ لا نقطع نحن بحصول العلم بقولهم ولا بعد حصوله،