أما بطلان القسم الأول، فلأن الداعي إلى التكذيب حاصل؛ لأن من سمع كذبا ظاهرا، وبهتا صريحا، وأراد الصبر عن تكذيبه فإنه يجد من نفسه مشقة على ذلك الصبر، لا سيما حيث يكون السكوت مغلبا لظن الصدق، وجاريا مجرى الشهادة عليه، والمانع منه زائل؛ لأن ذلك المانع إما رغبة أو رهبة، والجمع العظيم لا يعمهم من الرغبة والرهبة ما يحملهم على كتمان ما يعلمونه، لا من غير السلطان وهو ظاهر ولا منه لما سبق في الاستدلال على صدق خبر التواتر، وبتقدير أن يتصور ذلك منه لكن ليس النزاع محصورا في خبره بل لا فرق عند الخصم بين خبره وخبر غيره في أنه لا يفيد، فإذا ثبت ذلك بالنسبة إلى خبر غيره وجب أن يثبت بالنسبة إلى خبره؛ إذ لا قائل بالفصل بل بالطريق الأولى؛ لأن احتراز الأكابر عن الكذب أولى لما أنه يزرى بهم، ولأننا نفرض الكلام فيما ليس المانع من التكذيب موجودا، أو إذا كان الداعي إلى التكذيب حاصلا والمانع منه زائلا وجب أن يحصل التكذيب وإلا لزم تخلف المسبب عن السبب التام وهو ممتنع.
وأما بطلان القسم الثاني؛ فلأنه يمتنع عادة، أن لا يطلع واحد منهم على كذبه. وإذا بطل القسمان وجب أن يكون دليلا على الصدق.
أجاب الآخرون عنه: بأن مقصودهم من هذا الكلام إن كان إثبات غلبة الظن بصدقه فهو حق، وإن كان المقصود منه القطع فهو باطل؛ لأنه لا امتناع في أن لا يكون لهم اطلاع على تلك القضية، ولا نسلم أن العادة تحيل هذا بالنسبة إلى كل جمع، وكل قضية؛ وهذا لأنه لا امتناع في أن يغفل سكان أحد شقي المدينة عما وقع في شق الآخر من الأمور التي لا يحتفل به فكيف الجمع العظيم الحاضرون في مجلس واحد.
سلمنا امتناع ذهول الكل، لكن العادة لا توجب علم الكل فلعل البعض منهم نحو الواحد والاثنين يعلم ذلك، وسكوت مثل هذا البعض عن