لاحتمال أنه كان منقولا إليهم ولم ينقل إلينا اكتفاء بالإجماع، وهذا الاحتمال وإن أن ثابتا بالنسبة إلى الخبر الذي نقل إلينا، لكن الاحتمال لا يجب اطراده في جميع المحال الذي هو محتمل فيه.
سلمنا عدم احتمال عمل كلهم بذلك الدليل الآخر لكن جاز أن يكون عمل بعضهم بهذا، وعمل البعض الآخر بذلك، وعمل بعض الأمة بخبر لا يوجب القطع بصحته.
سلمنا أن كلهم عملوا به لكن لا نسلم أن ذلك يدل على صدقه؛ لأنه يجوز أن عملوا به وهو مظنون الصدق، فإن العمل بمظنون الصدق واجب وحينئذ لا يكون ذلك دليل الصدق.
لا يقال: أنهم لما اتفقوا على العمل به دل ذلك على أنه لا يكون كذبا قطعا وإن كان قبله مظنون الصدق وإلا احتمل أن يكون إجماعهم خطأ؛ لأنا لا نسلم ذلك؛ وهذا لأنهم لما كلفوا بالعمل بموجب الظن كان العمل بما غلب على الظن صدقه صوابا سواء كان في نفسه كذلك أو لم يكن.
احتج الخصم: بأن المعلوم من عادة أئمتنا فيما لم يقطعوا بصحته: أن لا يتفقوا على مدلوله بل يقبله البعض، ويرده البعض الآخر فلما اتفقوا عليه دل ذلك على أنه كان مقطوع الصحة عندهم.
وجوابه: منع العلم بهذه العادة، وكيف يقال ذلك وقد علم أنهم قد يتفقون على مظنون الصدق كاتفاقهم على أخذ الجزية من المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف؟ وكاتفاقهم على ما روى الصديق:"الأنبياء يدفهون حيث يموتون" و"الأئمة من قريش" وما يجري مجراها.