بغداد والبصرة مدينة أكبر منهما مع أنه لم ينقل إلينا.
ولجاز أن يقال: إن القرآن عورض لكنه لم ينقل إلينا بالتواتر.
وأن الرسول أوجب زيارته كما أوجب الحج لكنه لم ينقل إلينا، ولما كانت هذه اللوازم باطلة: فكذا ملزومها.
فإن قيل: نحن إنما جوزنا ذلك فيما نقله خوف وتقية، وفي كتمانه رغبة ورجاء عوض كما في النص على إمامته - رضي الله عنه - فإنه لم يزل منازعوه فيها متسولين على الناس وهم راجون منهم، وخائفون منهم، فجاز أن تحملهم الرغبة والرهبة على كتمان ذلك، فأما ما ذكرتم من الأمور فليس في كتمانه رغبة، ولا في إظهاره رهبة، فلا جرم لم يجز أن يتطابقوا على كتمانه.
سلمنا أنه لا فرق لكن العلم بعدم تلك الأمور، إن لم يتوقف على العلم بأنه لو كان لنقل فقد سقط هذا الكلام، وإن توقف لم يكن العلم بعدم تلك الأمور ضروريا بل نظريا؛ لأنه لا يجوز توقيف الضروري على النظري، لكن ذلك باطل؛ لأن الناس كما يعلمون بالضرورة وجود بغداد والبصرة فكذا يعلمون بالضرورة عدم بلدة بينهما أكبر منهما.
سلمنا تجويز توقيفه عليه لكن ما ذكرتم أمثلة جزئية، والقاعدة الكلية لا تثبت بالأمثلة الجزئية، وإن قستم صورة المتنازع عليه فغير مفيد؛ لأنه قياس تمثيلي لا يفيد اليقين والمسألة علمية، وبتقدير أن يفيده، أو أن يكتفى فيها بالظن فهو أيضا غير مفيد بما تقدم من الفرق.