ورابعها: أن كلام المسيح - عليه السلام - في المهد من أعظم الأمور التي تتوفر الدواعي على نقلها، والنصارى مع كثرتهم في شرق البلاد وغربها، ومع محبتهم فيه عليه السلام، ورغبتهم في إظهار معجزاته ومناقبه لم ينقلوا ذلك نقلا متواترا، وكذا معجزات أكثر الأنبياء المتقدمين، والوقائع العجيبة التي اتفقت لهم تتوفر الدواعي على نقلها مع أنها لم تنقل نقلا متواترا.
الجواب عن الأول: أنه لا نزاع في أن ما ذكرتم هو مظنة الرغبة والرهبة وأما حديث البلدان وما يجري مجراها فليس كذلك، لكن نقول: إنه ما يستحيل عادة من الجماعة العظيمة كتمان ما لا رغبة في كتمانه، ولا رهبة في إظهاره، فكذا يستحيل عادة أن يعمهم رغبة ورهبة على كتمان ما يعلمونه لا سيما إذا علموا أن في إظهاره الثواب، وفي كتمانه العقاب، والناقلون هم السلف الصالح وهذا لا يصلح أن يكون جائزا أصلا.
وعن الثاني: أنا لا نسلم أن ذلك العلم ضروري، بمعنى أنه لا يحتاج في العلم به إلى حصول واسطة مؤدية إليه؛ وهذا فإن الناس إذا سئلوا عنه يعللونه بأنه لو كان لنقل كغيره من البلاد، ولو كان حاصلا من غير واسطة لما علل كما في سائر القضايا التي تحصل من غير واسطة، وإن كان ضرورياً