فإن قلت: التزكية شهادة بدليل أنها ترد بالبعضية، والرق، والأنوثة فيعتبر فيها العدد كالشهادة.
قلت: قد نسلم لكم أن التزكية شهادة في الشهادة، وإن كان في بعض ما ذكرتم نظر والتزكية شهادة في الشهادة لكن لا نسلم أنها شهادة مطلقا، سواء كان في الرواية، أو في الشهادة، ولا نسلم ثبوت ما ذكرتم من الأحكام في التزكية في الرواية؛ فإن يقبل فها تزكية العبد والمرأة والوالد والولد كما تقبل روايتهم، بل جعل التزكية إخبارا مطلاقا أقرب من جعلها شهادة مطلقا؛ بدليل أنه لا يشترط فيها لفظ الشهادة ولا الطلب وإن كانت في الشهادة؛ فإنه إذا شهد عند القاضي من لا يعرف القاضي عدالته فتوقف عن الحكم، فجاء من يعرف القاضي عدالته وزكاه من غير مسألة منه فإنه تقبل تزكيته، ولو كان ذلك شهادة لرده كما في الشهادة، ولأن جعلها شهادة مطلقا يستلزم خلاف قواعد الشرع، وهو رجحان الشرط على المشروط في طريق الإثبات، وأما جعله إخبارا مطلقا فلا يستلزم ذلك فكان أولى.
ولا يعارض بأن جعلها شهادة أحوط فكان أولى؛ لأن إيماء الأدلة على قبول خبر الواحد يلغي اعتباره على أنه معارض بأن اعتباره أفضى إلى تضييع أوامر الله تعالى ونواهيه وهو محذور، بأنه يلزم منه مخالفة الأصل؛ إذ الأصل عدم الدليل على اعتبار قول الزائد على الواحد في التزكية، وهذا الأصل وإن كان متروكا في الواحد لكن لأنه لا يتصور التزكية بدون الواحد، ولوجود الإجماع على أنه لا بد من الواحد في التزكية تفريعا على الافتقار إليها.