وذهب الشافعي ومالك وأكثر المتكلمين نحو القاضي أبو بكر وغيره إلى التفصيل وقالوا: إن كان الإنكار إنكار جحود وتكذيب لم يقبل، وإلا قبل وهو المختار، وهو رواية عن أحمد، وفي الرواية الأخرى عنه يوافق الحنفية.
فحصل الإجماع على عدم القبول إن كان راوي الأصل مكذبا للفرع جازما بغلطه في الرواية عنه، سواء كان الفرع جازما بالرواية عنه، أو لم يكن؛ وذلك لأن كل واحد منهما مكذب للآخر فيما يدعيه، فلا بد وأن يكون أحدهما كاذبا إذ لا يمكن تصديقهما وذلك الواحد إما الأصل، أو الفرع، وعلى التقديرين يجب أن لا يقبل الحديث.
وأما إذا كان [ذلك] الواحد هو الأصل، فلأن المروي عنه ليس أهلا للرواية عنه، وأما إذا كان هو الراوي، فلأن الراوي ليس أهلا للرواية لكن لا يصير بذلك واحد منهما بعينه مجروحا، وإن كان لا بعينه يصير مجروحا كالبينتين المتكاذبتين، وكما إذا حلف شخصان وقال أحدهما: إن كان هذا الطائر غرابا فامرأته طالق، وقال الآخر عكسه، وأبهم الأمر ولم يتبين فإنه يجوز لكل واحد منهما غشيان امرأته، وإن كنا نقطع أن واحدا منهما طلقت امرأته لا بعينه [فإن الثابت في الأصل لا يرتفع بالشك.