وبهذا يفارق ما نحن فيه الصورة التي لم يعلم التاريخ فيها، فإنه وإن أمكن في تلك الصورة أن يحمل على أن المظنون منسوخ بالمقطوع لكن لم يتحقق شرط النسخ فلا نقطع به بمجرد الاحتمال فإن كذب الراوي أيضا محتمل، بل ربما هو أهون من الحمل على النسخ مع عدم تحقق شرطه.
وأما إذا كان يمكن الجمع بينهما بالتخصيص والتقييد، فإن كان ذلك بأن كان خبر الواحد عاما، أو مطلقا، أو المقطوع به خاصا أو مقيدا وجب تخصيصه، أو تقييده به وفاقا لا خلاف فيه، وإن كان عكسه فهو مبني على جواز تخصيص المقطوع بالمظنون، وعلى جواز تخصيص القياس وقد تقدم القول في أحدهما، وسيأتي في الآخر - إن شاء الله -.
وإن كان الثاني وهو أن يكون ذلك الدليل ظنيا: فإما أن يكون من جنسه من أخبار الآحاد، أو من جنس القياس، فإن كان الأول فسواء كانت المخالفة بينهما على وجه يمكن الجمع بينهما، أو لا يمكن فإنه لا يصار إلى تكذيب أحدهما بل يصار إما إلى التأويل بتخصيصه أو غيره، أو إلى النسخ أو إلى الترجيح، أو إلى التعادل إن قيل بإمكانه بحسب مواقعها على ما ستعرف ذلك في الترجيح - إن شاء الله -.
وإن كان الثاني فإن كانت المخالفة على وجه يمكن الجمع بينهما إما بأن يخصص خبر الواحد، أو يصرف عن ظاهره بوجه آخر من التأويل بالقياس فعل ذلك وفاقا، وإما بأن يخصص القياس بخبر الواحد فهذا مبني على جواز تخصيص العلة، فمن جوزه جعله كعكسه، ومن لم يجوزه جعله كما إذا كانت المخالفة على وجه لا يمكن الجمع بينهما.
وإن كانت المخالفة على وجه لا يمكن الجمع بينهما، فأصل ذلك القياس إن كان أيضا خبر واحد مثله، وبقية مقدمات القياس أيضا ظنية فها هنا الخبر مقدم على القياس لا محالة، ولا ينبغي أن يكون هذا من صور الخلاف