وثانيهما: وهو ما ذكره أبو الحسين البصري: "أن علة القياس إن كانت منصوصة وكان النص الدال عليها مقطوعا به كان القياس مقدما على الخير، وإن كانت المقدمة الثالثة ظنية؛ لأن النص على العلة كالنص على الحكم ولو كان الحكم مقطوعا به لم يعارضه الحكم المظنون، وهذا يستقيم إن قلنا: إن التنصيص على العلة لا يخرجه عن القياس، وإلا فليس هو من هذا الباب.
وإن لم يكن النص الدال عليها مقطوعا به، فإما أن يكون الحكم في الأصل ثابتا بنص مقطوع به أو لا يكون، فإن كان الأول كان في محل الاجتهاد وإن كانت المقدمة الباقية قطعية، وهذا التقييد وأمثاله وإن لم يكن مصرحا به في كلامه لكنه مأخوذ من إشعار كلامه من حيث إنه أطلق، فإن ظهر عند المجتهد رجحان أمارة القياس على عدالة الراوي كان القياس مقدما على الخبر وإن ظهر عنده رجحان عدالة الراوي على أمارة القياس كان الخبر مقدما على القياس عنده ويختلف ذلك باختلاف اجتهاد المجتهدين، وإن كان الثاني كان الخبر مقدما على القياس وإن كانت المقدمة الثالثة وهي حصول العلة في الفرع قطعية؛ لأنه يساوي أصل القياس في الظن ويختص بأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه القياس من المقدمات الزائدة، وإن لم تكن علة القياس منصوصة بل هي مستنبطة فلا يخلو: إما أن يكون الحكم في الأصل ثابتا بنص مقطوع به، أو لم يكن فإن كان الأول فهو في محل الاجتهاد كما سبق في المنصوصة المظنونة، وقال: ينبغي أن يكون هذا محل الخلاف بين العلماء، وإن كان الثاني فالخبر راجح لما سبق في المنصوصة المظنونة.