أحدها: بإجماع الصحابة فإنهم روا أخبار الآحاد فيما تعم بهالبلوى:
رد أبو بكر - رضي الله عنه - خبر المغيرة في توريث الجدة، ورد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان ولم ينكر عليه الباقون فكان إجماعا.
وجوابه: ما تقدم.
وثانيها: أنه لو كان صحيحا: لنقل نقلا متواترا، أو مشهورا على ما زعموا أن المشهور أحد أقسام المتواتر فيقبل فيما تعم به البلوى؛ لأن الحاجة ماسة إلى معرفة حكمه، وذلك يقتضي أن يكون الرسول أشاعه وبلغه إلى أهل التواتر. وأوجب نقله على جهة التواتر مخافة أن لا يصل إلى من كلف به فلا يتمكن من العمل به، ومن جهة النقلة أيضا الدواعي متوفرة على نقله؛ لمسيس حاجة عموم الناس إليه ولا يجاب الرسول عليه السلام ذلك عليهم وما شأنه ذلك يجب أن يتواتر نقله، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه ليس بصحيح.
وبهذا الطريق عرفنا أنه - عليه السلام - لم ينص على إمامة علي - رضي الله عنه - وأنه - عليه السلام - ما أوجب صوم شهر شوال وأن القرآن لم يعارض.
وجوابه: أنا لا نسلم أن مسيس الحاجة إليه، ومخافة عدم الوصول إليهم يقتضي أن يكون الرسول أشاعه وبلغه إلى أهل التواتر؛ وهذا لأنه إنما يقتضي ذلك أن لو لم تندفع حاجتهم بنقل الآحاد كما في التكاليف العملية، وأن لو كانوا مكلفين به على جميع الأحوال، فإما على تقدير اندفاع الحاجة به بنقل الآحاد، وعلى تقدير كونهم مكلفين به بشرط بلوغه إليهم كما هو فيما لا تعم به البلوى، فلا نسلم أنه حينئذ يقتضي ذلك.
وعند هذا نقول: إن نقل الآحاد فيه إنما يكون غير كاف؛ لكونه يدل على كذبه؛ إذ لو كان صدقا لوجب أن يتواتر نقله فيكون نقل الآحاد غير كاف فيه يتوقف على وجوب تواتره، فالاستدلال بوجوب تواتره على أن نقل الآحاد غير كاف فيه دور وهو ممتنع.