سلمنا صحة التمسك بخبر الواحد في هذه المسألة، لكن لا نسلم أن المراد من قوله:(أجتهد رأيي) هو القياس، ولا يلزم من خروج النص والعقل والبراءة الأصلية تعينه للإرادة منه، وهذا لأنه يحتمل أن يكون المراد منه مدركًا آخر نحو المصالح المرسلة، أو التمسك بطريقة الاحتياط أو بتنزيل اللفظ على أكثر مفهوماته، أو أقل مفهوماته، أو قول الشارع "احكم فإنك لا تحكم الا بالحق".
سلمنا أن المراد منه القياس الشرعي لكن يكفي في العمل بمقتضاه إثبات نوع منه، ونحن نقول به، فإن القياس القطعي عندنا حجة، والقياس الذي نص على علته، أو القياس الذي هو كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف حجة أيضًا عند بعض أصحابنا، فلم قلتم أنه يقتضي أن يكون جميع أنواع القياس حجة؟
سلمنا جواز العمل بجميع أنواع القياس لكن في زمان الرسول أو مطلقًا؟ أعنى به سواء كان في زمانه أو بعده، والأول مسلم، لكن لا يلزم منه حجيته في زماننا، والثاني ممنوع؛ وهذا لأن شرط العمل بالقياس عدم الوجدان في الكتاب والسنة [وذلك إنما يتحقق في زمان حياة الرسول عليه السلام]؛ لعدم استقرار الشرع، فأما بعد نزول قوله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم} فإن ذلك متعذر؛ لأن الدين إنما يكون كاملًا لو بين فيه جميع ما يحتاج إليه، وذلك إنما يكون بالتنصيص على كليات الأحكام، فإذا كان جميع الأحكام موجودة في الكتاب والسنة تعذر بالقياس لفقد شرطه.