سلمنا احتماله في الجملة لكن العرف أسقط اعتباره؛ فإنه إذا قال الأب لابنه: لا تأكل الطعام لأنه مهلك، فهم منه المنع من تناول كل مهلك، ولو كان لخصوصية المحل مدخل لما فهم ذلك، وإذا ثبت ذلك في العرف ثبت مثله في الشرع؛ إذ الأصل تطابق العرف والشرع، لقوله- عليه السلام-: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن).
سلمنا أن العرف لم يسقطه بالكلية لكنه خلاف الغالب، وخلاف الأصل والظاهر فوجب عدم اعتباره إلحاقًا بالغالب والأصل والظاهر.
أما الأول، فلأن الغالب في العلل منصوصة كانت أو مستنبطة إنما هو التعدية بها دون الاقتصار على محالها بالاستقراء.
وأما الثاني، فلأن الأصل والظاهر في العلل أن تكون مناسبة للحكم؛ لأن العلة بمعنى الباعث والباعث هو المناسب، ولأن التعليل إنما هو لفائدة أن لا يكون الحكم متعبدًا به فيكون أدعى إلى القبول والعمل به، ولفائدة تعميم الحكم، وهاتان الفائدتان إنما تحصلان لو عدى بها الحكم [دون أن يقتصر بذلك المحل، وخصوصية الإسكار غير مناسب ولا يحصل بها تعميم الحكم] ضرورة أنها غير مشتركة بينها وبين غيرها فيكون التعليل بها على خلاف الظاهر والأصل.
سلمنا دلالة دليلكم، لكن فيما إذا قال: حرمت الخمر لكونها مسكرة، أما إذا قال: حرمت الخمر وعلة حرمة الخمر هي الإسكار، فإنا لا نسلم الدلالة فيه، وظاهر أنه لا يبقى فيه ذلك الاحتمال؛ إذ لا إضافة فيه الإسكار إلى الخمر.