فكان هو أقوى، وإذا كان عموم القياس أقوى من العموم لم يلزم من عدم منع العموم كقياس تخطئة عدم منع القياس من القياس على ما يخالفه.
وإن عنى به إصلاح المختلفين في هذه المسألة فممنوع؛ وهذا لأن الأصل ما يقاس عليه، فمن منع القياس على المعدول عن سنن القياس سواء ثبت بدليل مقطوع به، أو غير مقطوع به كيف يكون هذا أصلا عنده.
وإن ذكر ذلك ضابطًا على مذهب القائلين بجواز القياس على المعدول عن سنن القياس فليس كذلك أيضًا؛ لأنه [لو] ثبت المعدول عن سنن القياس بدليل ظني وعقل معناه/ (١٥٧/ أ) والمعدول عنه بدليل قطعي جاز القياس عليه عندهم أيضًا يدل عليه تفاريعهم، فإن رد المصراة ورد صاع من التمر معها بدلًا عن اللبن الموجود في الضرع ثبت بدليل ظني، وهو مخالف لما ثبت بدليل قطعي وهو الإجماع: من أن ضمان المثلى بالمثل، وضمان المتقوم بالقيمة، واللبن إن كان من ذوات الأمثال كان ينبغي أن يكون الواجب فيه مثله، وإن كان من ذوات القيم كان ينبغي أن يكون الواجب فيه القيمة، فإيجاب صاع من التمر مخالف للقاعدة على التقديرين مع أنه يجوز القياس عليه كما تقدم.
وأما ثانيًا: فلأن قوله: وإن كانت علته منصوصة [فالأقرب أنه يستوي القياسان، إن أراد به أن يثبت ذلك النص بطريق قطعي وهو الذي يدل عليه آخر كلامه فتستحيل المسألة]؛ لأن كون دليل الحكم ظنيًا مع أن النص الدال على علته قطعي محال ضرورة أنه مهما علم النص الدال على علة الحكم كان الحكم معلومًا قطعًا، فدليله قطعي لا محالة، وإن أراد به أعم من ذلك أي: سواء ثبت ذلك النص بطريق قطعي أو ظني بطل قوله في آخر كلامه: "وهذا القياس طريق حكمه مظنون، وطريق علته معلوم".