وعن الثاني وهو مما عول عليه أكثر المانعين من تخصيص العلة في الجواب عن إلزام جعل العدم جزء علة الوجود، وهو: أن الأصل عدم ذلك الأمر الوجودي لاسيما بوصف كونه ملازمًا لذلك العدم.
وأيضًا: فإن ما لا دليل عليه وإن كان لا يجب القطع بنفيه عن نفسه لكن لا شك في أنه يحصل الظن بنفيه، والظن كاف في هذه المسألة إذ هي ظنية.
سلمنا أنه لا يحصل العلم والا الظن وأنه مجرد احتمال لكن لا شك في أنه لا يجوز إثبات الحكم على مجرد الاحتمال سواء كان الحكم قطعيًا أو ظنيًا، فلا يجوز أن يبني على ذلك الأمر الذي لم يدل عليه دليل عدم جواز تخصيص العلة.
فإن قلت: نحن لا نبني عدم جواز التخصيص على ذلك الاحتمال بل يقطع به استدلال الخصم، فإنه لما قال القول بعدم جواز تخصيص العلة يقتضي أن يكون العدم جزء علة الوجود منعنا ذلك فأسندناه إلى ذلك الاحتمال ومجرد الاحتمال كاف في ذلك وعلى المستدل إبطاله.
سلمناه لكن لا نسلم أنه لا يدل عليه دليل وأي شيء تعني به؟ تعني به: أنه لا يدل عليه دليل تفصيلي فهذا مسلم، لكن/ (١٩٧/ أ) لا يلزم منه أن لا يدل عليه دليل لجواز أن يدل عليه دليل إجمالي.
وإن عنيت به: أنه لا يدل عليه دليل فهذا ممنوع؛ وهذا لأن لما دل على أن تخصيص العلة غير جائز ودل الدليل على أن الحكم يتوقف على أمور عدمية في كثير من الصور، وأنها لا يجوز أن تكون أجزاء علل الوجود لزم أن يقال أنها كاشفة عن أمور وجودية تنضم إلى الحاصل من قبل ويصير المجموع علة الحكم حتى يلزم الجمع بين الأدلة ولا يلزم بطلان واحد منها.