وذهب الآخرون إلى أنه لا يجب عليه ذلك؛ لأنه عاقل متدين وهو أعرف بمأخذ مذهبه فيصدق فيما يقوله كما في غيره من الأخبار على أنه لا فائدة فيه؛ فإنه لو أوجب عليه ذلك فأبداه فأما أن يمكن المستدل من الاعتراض عليه، أو لا يمكن، والأول باطل، لما فيه من انتشار الكلام وقلب الموضوع، فإنه حينئذ يصير المستدل معترضًا والمعترض مستدلًا، والثاني يحصل المقصود؛ لأنه إذا علم أنه لا يعترض عليه فيما يقول فربما يقول ما لا يصح من جعل ما ليس بعلة علة.
ثم الجواب عن القول بالموجب بوجوه:
أحدها: أن يبين المعلل أن الذي التزم فيه المعترض القول بموجب دليله هو صورة النزاع، أو من جملة صورها إما بالنقل الصريح عن كتاب معتبر لهم، أو عن إمام لهم اتفق على علمه وعدالته، أو بأنه مشهور بالخلاف، أو أن مأخذه عند الخصم كذا وهو حاصل فيما دل عليه كلام المعلل.
وثانيها: أن يتبين أنه وإن لم يكن محل الخلاف لكن يلزم منه الحكم في محل الخلاف كما إذا استدل على أنه لا يجوز قتل المسلم بالذمي، فقال المعترض أقول بموجبه فإنه عندي غير جائز بل هو واجب، فيقول المستدل: يلزم من عدم الجواز عدم الوجوب قطعًا؛ إذ المراد من الجواز المنفي رفع الحرج عن الفعل لا الإباحة، ولا شك جزؤ الواجب ويلزم من انتفاء جزئه انتفاؤه قطعًا، وهذان الجوابان يختصان بما إذا كان القول بالموجب يصرف الخلاف إلى غير ما دل عليه ظاهر كلام المستدل.
وثالثها: أن يقول: إن هذا إنما يكون قولًا بالموجب إذا لم يكن كلامي يجري على ظاهره كما تقدم من المثال لكن ذلك باطل وهو على خلاف الأصل