القائلون بجواز التعليل بالحكمة إذا قيل لهم إن الحكمة مجهولة القدر في غالب الأمر وإن كانت جلية في نفسها، فإن حاجة الإنسان في مبدأ زمان الجوع، دون حاجته في أثنائه وانتهائه، وإذا كان كذلك لم يكن القدر الموجود في الأصل ظاهر الوجود في الفرع فلم يصح القياس لعدم الظن بحصول العلة في الفرع.
فمنهم من أجاب هذا: بأنا نعلل بالقدر المشترك بين الصورتين؛ لأنه حصل في الأصل قدر معين من المصلحة، وفي الفرع قدر معين، وكل مقدارين من نوع واحد لابد وأن يكون بينهما قدر معين مشترك بينهما، وذلك القدر يناسب التعليل به لكونه مصلحة مطلوبة الوجود.
فإذا نقض ذلك عليهم بأن يقال: المصلحة الفلانية مصلحة وحاجة مع إنها غير معتبرة في الحكم.
أجابوا: بأنا إنما عللنا الحكم بالقدر المشترك بين الأصل والفرع ونحن لا نسلم أن ذلك القدر المشترك بينهما حاصل في صورة النقض.
قال الأمام: وهذا ضعيف؛ وذلك لأنه يحتمل أن لا يكون بين القدر المشترك الحاصل في الأصل، والحاصل في الفرع اشتراك إلا في نفس كونه مصلحة، والتعليل بمسمى المصلحة غير ممكن، وإلا لحصل النقض المذكور وأمثاله من المصالح المنفكة عن الحكم.
وأما وجود قدر مشترك زائد على نفس كونه مصلحة فذلك غير معلوم ولا مظنون والتعليل بمثله غير جائز.