وثانيها: أنه لو كان الحكم ثابتا فيه بالعلة لكانت العلة أصلا له كما في الفرع، لكنه ليس كذلك بل هي فرع له كما تقدم في أول الباب فلا يكون ثابتا بالعلة، وبعبارة أخرى إن العلة في الأصل فرع الحكم كما سبق فتكون مفتقرة إليه ضرورة افتقار الفرع إلى الأصل، فلو كان الحكم ثابتا بها في الأصل لكان مفتقرا إليها ضرورة افتقار الحكم إلى العلة وحينئذ يلزم الدور وهو ممتنع.
وثالثها: أن الحكم المنصوص عليه قد يكون بحيث يكفر جاحده والحكم الثابت بالعلة المستنبطة لا يكفر جاحده فلا يكون الحكم المنصوص عليه ثابتا بالعلة.
واعلم أن الجواب عن هذه الأدلة يظهر عن تلخيص الخلاف في المسالة.
واعلم أن الخلاف في هذه المسألة آيل إلى الخلاف اللفظي؛ لأنه إن عنى بالعلة: المؤثر] يجعل الشارع إياه مؤثرا، والداعي إلى الحكم والباعث عليه فلا شك أن [كونه منصوصا عليه لا ينافى أن يكون معللا بهذا المعنى، والأدلة المذكورة لا تدل على فساد التعليل بهذا المعنى يظهر ذلك بأدنى تأمل وبهذا المعنى قال أصحابنا: أن الحكم المنصوص عليه ثابتا بالعلة، ولا ظن أن الخصم ينكره.
وأن عنى بالعلة "المعرف" فلا شك أن كونه منصوصا عليه ينافي التعليل بالعلة بهذا المعنى، والخصم إنما ينكر كونه معللا بالعلة بهذا المعنى، وأصحابنا لا ينكرون ذلك، والأدلة المذكورة تدل على فساد هذا الاحتمال فقط، وعلى هذا التقدير لا يبقى في المسالة خلاف معنوي.