التحسين والتقبيح إلى أفعاله تعالى، وهذه المباحث كلها يراد فيها القطع، والقياس المستعمل فيه لا يفيده.
وثالثها: أن يكون الحكم المثبت بالقياس قاعدة من قواعد أصول الفقه ككون خبر الواحد حجة بالقياس على قبول الفتوى والشهادات وككون إجماع غير الصحابة حجه بالقياس على إجماع الصحابة، وككون القياس حجة بالقياس على الاجتهاد/ (٢٣٧/ أ) في طلب القبلة، فإن كان المطلوب في هذه القواعد فالقياس فيها باطل كما فيما ذكر من قبل، وإن اكتفى فيها بالظن ساغ القياس فيها كما في غيرها من الظنيات، وقد تقدم أن الأكثرين من الأقدمين على أن هذه القواعد يجب أن تكون معلومة، وأن أدلتها تكون معلومة، وأن أدلتها يجب أن تكون قاطعة فلا يجرى فيها القياس.
ورابعها: أن يكون الحكم المثبت بالقياس من أمور الخلقة والعادة، كإثبات الحيض للحامل بالقياس على الحائل بجامع جواز الاستحاضة عليهما فقد ذكرنا من قبل أن ما طريقة العادة والخلقة لا يجرى فيها القياس؛ لأن أسبابها غير معلومة، ولا مظنونة، فيتعذر جريان القياس فيه، وبالجملة: إن الحكم مهما كان لا يجرى فيه بالقياس بالاتفاق، أو عند المستدل لما تقدم من الأسباب، أو غيره نحو أن لا يكون المقيس عليه صالحًا لذلك: بأن كان منسوخًا، أو كان الحكم خاصًا في تلك الصورة، أو نحو أن لا تعقل فيه علة مناسبة، أو شبهية، أو طردية عند من يقول بهما، فإنه لا يمكن إثباته بالقياس [فإذا حاول المستدل إثباته بالقياس] وتوجه إليه المنع فليس له الجواب وتعين انقطاعه، فأما إذا كان الحكم مما لا يجرى فيه القياس عند الخصم دون المستدل فله أن يثبت ذلك بالقياس، فإن توجه إليه المنع فله أن يجب عنه بالدلالة على جواز جريان القياس فيه.