وثالثها: إذا حصل التعارض بين دليل ودليلين فالعقلاء يوجبون الأخذ بموجب الدليلين حتى أن من عدل عنهما وأخذ بموجب الدليل الواحد سفهوا رأيه واستقبحوا تصرفه، ألا ترى أن الإنسان إذا قصد السفر إلى جانب فاخبره عدلان بان الطريق مخوف، وأخبره عدل بانه آمن فإنه إذا سلكه وأصابه مخافة سفه العقلاء رأيه وذموه ولم يعذروه، بخلاف ما إذا كان الأمر على العكس، فإنه إذا سلكه ولحقه مكروه لم يسفه رأيه وأعذره كل واحد، وإذا كان كذلك في العرف وجب أن يكون في الشرع كذلك لما سبق من الحديث والوجه المعقول.
واحتج الخصم بأمور:
أحدها: الخبر، وهو قوله عليه السلام:"نحن نحكم الظاهر" فالحديث - بإيمائه- يلغى زيادة الظهور من حيث أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعليته، ترك العمل به في الترجيح بقوة الدليل، لأن هناك الزيادة مع المزيد عليه حاصلان في محل واحد، والقوى حال اجتماعها تكون أقوى منها حال تفرقها، بخلاف الترجيح بكثرة الدليل فإن هناك الزيادة في محل والمزيد عليه في محل آخر فلا يحصل كمال القوة لعدم الاجتماع في محل واحد. وجوابه: أنه إنما ترك العمل به في الترجيح بالقوة لما فيه من غلبة الظن وزيادته على ما يقابله فوجب أن يكون الأمر كذلك في الترجيح بكثرة الأدلة.
قوله: الترجيح بالقوة يحصل الزيادة مع المزيد عليه في [محل واحد فيحصل بسبب الاجتماع قوة.
قلنا. نحن نعلم أنه وإن كان] محل الزيادة مغايرًا لمحل الأصل لكن المجموع يؤثر في تقوية الظن الذى هو المطلوب من قوة الدليل كما أن الزيادة