للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما لم يكن في نفس الأمر، لم يدل على كونه مجازا فيه.

لا يقال: إنما يصح نفي اللفظ عن معنى إذا عرف كونه مجازا فيه، لأن المعنى من قولك: البليد: ليس بحمار، أي أن الحمار ليس موضوعا بإزاء البليد، فلو عرف كونه مجازا فيه بصحة النفي لزم الدور وأيضا:

فإنا لا نسلم: أن الحقيقة لا يصح نفيها، إذ يصح أن يقال: في عرف الاستعمال لمن لا مروءة له ولا عقل يسدده أنه ليس بإنسان، ولا هو ابن آدم.

لأنا نقول: لا نسلم أن معنى قولنا: البليد ليس بحمار هو ما ذكرتم، بل معناه البليد ليس بحيوان ناهق، وقد ثبت أن الحمار حيوان حقيقة فيه، فنفي الحيوان الناهق عن البليد يستلزم نفي لفظ الحمار عنه، وإلا لزم الاشتراك، وهو خلاف الأصل، فصحة النفي لا يدل على التجوز إلا مع هذا الأصل.

ولئن سلمنا: أن معنى قولنا: البليد ليس بحمار، هو ما ذكرتم، لكن لا نسلم أن صحة النفي يتوقف على معرفته حتى يلزم توقف صحة النفي على معرفة كونه مجازا فيه، بل العارف باللغة وبمواقعها، قد يحكم بفطرته السليمة بصحة سلب اللفظ عن معنى، وإن لم يكن قد عرف قبله أنه غير موضوع بإزائه بطريق آخر، بل ربما استدل عليه بما يجده في نفسه من صحة السلب.

وعن الثاني: أن ذلك لظنهم أن الإنسان إنما هو حقيقة فيمن اتصف من بني

<<  <  ج: ص:  >  >>